Monday, June 16, 2014

السبوح القدوس



بسم الله الرحمن الرحيم 

   أسماء الله الحسنى 


بحول الله تعالى نبدأ اليوم في دراسة مجموعة من أسماء الله الحسنى التي تدل على تنزيه الله تعالى وتقديسه جل في علاه.
وهذه المجموعة تشمل أسماء الله تعالى( القدوس ، السبوح ، السلام ، المتكبر ) جل جلاله.


القدوس 



 إثبات الاسم 
ورد هذا اﻻسم الجليل في القرآن الكريم مرتين في قوله تعالى :
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [سورة الحشر : 23]
وقوله تعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [سورة الجمعة : 1]
♻ كما ورد في السنة: 
من ذلك في دعائه صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده :
( سبوح قدوس رب الملائكة والروح ).




 المعنى اللغوي لهذا الاسم الكريم 
القدوس له معنيان في اللغة :
الأول : أن القدوس من القدس وهو الطهارة .
والقدس بالتحريك : السطل بلغة أهل الحجاز لأنه يتقدس منه، أي : يتطهر منه .ولهذا قيل بيت المقدس، أي : البيت المطهر.

المعنى الثاني:
أن القدس البركة ، والأرض المقدسة أي: المباركة،
والقدوس: على وزن (فعول) بالضم من أبنية المبالغة.


 معناه في حق الله تعالى 
قال بن جرير الطبري - رحمه الله تعالى- عند قوله تعالى :
 ( وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ ) [سورة البقرة :30] أي :
(
ننزهك ونبرئك مما يضيفه إليك أهل الشرك بك ، ونصلي إليك، ونقدس لك ،ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس، وما أضاف إليك أهل الكفر بك).
وقال البيهقي :
(هو الطاهر من العيوب ، المنزه عن الأولاد والأنداد ، وهذه صفة يستحقها بذاته).
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى :{( القدوس ) المنزه من كل شر ونقص وعيب كما قال أهل التفسير : هو ( الطاهر) من كل عيب ، المنزه عما لا يليق به ، وهذا قول أهل اللغة ، وأصل الكلمة من الطهارة والنزاهة}.

وقد ذكره رحمه الله تعالى في نونيته فقال :
وهذا من أوصافه القدوس ذو التنزيه بالتقديس للرحمن
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى :( ومن أسمائه ( القدوس ) ( السلام) أي : 
المعظم المنزه عن صفات النقص كلها ؛
وعن أن يماثله أحد من الخلق ،
فهو المنزه عن جميع العيوب،
والمنزه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال :(ِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [سورة الشورى : 11]
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [سورة اﻹخلاص : 4]
ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [سورة مريم : 65]
وقال : ف( القدوس) ك ( السلام ) ينفيان كل نقص من جميع الوجوه ، لأن النقص إذا انتفى ثبت الكمال له كله).

وسنقف إن شاءالله على الفروق في معاني هذه الأسماء في نهاية دراستها.
وقد ذكرنا أن هذا الاسم من أسماء التنزيه والتقديس لله تعالى ، ومما افتتح الله به كتابه تنزيهه عما لا يليق به فقال :
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيم♻ِ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [سورة اﻹسراء : 1]
♻وقال : ( ِ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [سورة الحديد : 1]
وقال :
) يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [سورة الجمعة : 1]
فهذا الاسم ( القدوس) دل على معاني الكمال لرب العزة والجلال،
ف ( القدوس ) هو الموصوف بالقدسية، والتي هي الطهارة والتبرئة من النقائص والعيوب .


ارتباط اسمه تعالى

)القدوس ) باسمه سبحانه ( السبوح (

ارتبط اسمه (القدوس )باسمه سبحانه( السبوح)
والتسبيح من السبحة والإنطلاق في الوصف 
فالتقديس : التنزيه عن النقص.
والتسبيح :التمادي في الوصف.
التسبيح : إثبات وصف الكمال لله عزوجل، كما أثبته تعالى لنفسه.
التقديس : نفي النقص عن الله عزوجل.

فأنت حين تذكر الله بأوصاف الكمال فأنت تسبحه.
وحين تنفي النقص عن الله عزوجل فأنت تقدسه.
مثال ذلك:قل هو الله أحدتسبيح)
الله الصمدتسبيح )
لم يلد ولم يولدتقديس )
ولم يكن له كفوًا أحد  ( تقديس )

⬛ ومن ذلك: آية 23 في سورة الحشر:
( هو الله)
تسبيح
( الذي لا إله إلا هو ) تقديس
( الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ) تسبيح.
(سبحان الله عما يشركون) تقديس.

⬛ وفي آية الكرسي:
( الحي القيوم )
تسبيح
( لا تأخذه سنة ولا نوم )
تقديس.


⬛ وفي آل عمران 5:6 :
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)
تقديس.
♻ (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ) تسبيح
لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ )تقديس. 
(الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
تسبيح.

فكل تسبيح تقديس من وجه لأن إثبات الكمال يتضمن نفي النقص.
وكل تقديس تسبيح من وجه لأن نفي النقص يتضمن إثبات الكمال.
♻ فقوله تعالى :
(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [سورة الكهف : 49]
فالله تعالى قدس نفسه عن الظلم وهذا يتضمن إثبات كمال العدل له سبحانه. 
        
                            
 ما هو النقص الذي يقدس الله عنه؟
🔺أغلب الخلق يصفون الله بالنقص ، 
🔺
وينسبون الملك لغيره ،
🔺
ويصفون غيره بالكمال.
فكان لابد من تقديس الله عن كل نقص ( نفي النقص عنه ) 
والله تعالى مقدس عن كل كمال لا يليق به،  له سبحانه الكمال اللائق به لا كما يقول البشر، لذا سبح الله نفسه عن وصف العباد له فقال:
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) [سورة الصافات : 180]
ينزه تعالى ذكره نفسه الكريمة ويقدسها ويبرئها عما يقوله الظالمون المكذبون المعتدون ، تعالى الله وتقدس عن قولهم علوا كبيرا.رب العزة الذي اعتز عن كل سوء يصفونه به.

وقال : ( (وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) [سورة الصافات : 181] لسلامة ما قالوه عن ربهم وصحته وحقيته.



 مر معنا أن القدوس من أسماء التنزيه لله تعالى

والتنزيه معناه الطهارة والتبرئة من النقائص والعيوب

كما يشمل معناه في حق الله تعالى التعظيم والبركة
♻فالله تعالى له :
كمال الطهارة التي تختلف عن الطهارة التي يعرفها البشر (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ). 
وله : كمال التعظيم .
وله كمال البركة.
فالقداسة الإلهية تعني أن الحق جل وعلا مبرأ من كل عيب أونقص 🌱
ومبرأ من كل ما يتعارض مع كماله المطلق.

فالله تعالى قدوس في صفاته:
فصفات الله كلها مطلقة بمعنى أن لا حدود لها ، 
فقدرة البشر محدودة والله تعالى القدوس لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. 🌱
ورحمة البشر محدودة والله تعالى رحمته وسعت كل شيء وله الحمد في الأولى والآخرة يحمده أهل الجنة على فضله ويحمده أهل النار على عدله
وعلم البشر محدود والله تعالى له الكمال في علمه القدوس الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. 🌱
         
هذا تنزيهه في صفاته

والله تعالى قدوس منزه في ذاته:
فتنزيهه في ذاته : أنه سبحانه منزه عن الولد وعن الصاحبة وعن الشريك وعن المثيل وعن الند وعن المعين ، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.

كما أنه سبحانه قدوس منزه في أفعاله وأنه يقدس من يشاء من خلقه،
🌱 وقد وصف جبريل بأنه الروح القدس لأنه ينزل إلى البشر بما يطهر قلوبهم ، كما أنه منزه عن الخطأ في تبليغه منزه عن أن يعصي الله.

🌱وسميت الجنة بحظيرة القدس :
لأنها طاهرة من الذنوب والمعاصي. 
🌱فقد ورد في الحديث : ( من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينه من حظيرة القدس ) وفي رواية ( من ترك الحرير ) صحيح الترغيب والترهيب.
🌱 والله تعالى يقدس من يشاء من خلقه ، فقد ورد في الحديث : ( إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه )


✏ تقديس الأمة وصفها بالنصرة والكمال في طاعة رب العزة والجلال.
♻ الخلاصة :
التقديس هو نفي النقائص والعيوب.
وهذا يتضمن:
إثبات الكمال لله في ذاته وأسمائه وصفاته.
و يتضمن تعظيمه جلا في علاه .
و يتضمن وصفه بأنه تبارك : أي تعاظم وكثر خيره وكثرة محامده.
وكما ذكرنا بالأمس أن كل تقديس يتضمن تسبيح،وكل تسبيح يتضمن تقديس.
🌱
والتسبيح هو وصفه سبحانه بالكمال .فكل وصف لله بالكمال فهو تسبيح. 
كل وصف لله فيه إثبات لصفات الكمال فهو تسبيح كوصفه بأنه الله ، الرحمن ، الرحيم ، مالك يوم الدين،  الأحد ، الصمد ، العزيز،  الحكيم (إذا كان بذكر أسماء الله وصفاته أو أفعاله)
🌱
الأفعال مثل قوله تعالى :
يعلم ما ينزل من السماء وما يعرج فيها) ،(يصوركم في الأرحام كيف يشاء).
🌱 والتقديس هو نفي النقص عنه. فكل نفي للنقص عنه سبحانه فهو تقديس.
♻مثل: نفي الموت عنه سبحانه ، ونفي السنة(النعاس)، لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه(من تمام ملكه )، نفي التعب (وما مسنا من لغوب)، نفي الضلال والنسيان، نفي العجز ، نفي الظلم ، نفي العجلة عنه سبحانه (من كمال حلمه)، نفي الولد والصاحبة والشريك الظهير ( المعين )
♻ الرجاء تتبع ذلك في القرآن الكريم .

                         
بسم الله الرحمن الرحيم 

(السبوح )(القدوس(

          جل جلاله            
تحدثنا في اللقاءات الماضية عن اسم الله القدوس بصورة خاصة 
واليوم نتحدث أولا عن اسم الله السبوح ومن ثم نختم هذا الجزء من المدارسة في أسماء الله تعالى ( القدوس،  السبوح ) بمعرفة الآثار الإيمانية والسلوكية لمعرفتك بهذين اﻻسمين الجليلين🌱


 ثبوت اﻻسم
كما مر معنا ثبت هذا الاسم الكريم في السنة :
من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده : ( سبوح قدوس رب الملائكة والروح ) رواه مسلم.


معناه في اللغة
التسبيح :
من السبحة : سبح في الأرض إذا انطلق فيها وأبعد
فالتسبيح : بمعنى التنزيه والتبرئة و التبعيد.
والتسبيح: بمعنى الإنطلاق في الوصف .
السبوح: هو الذي ينزه عن كل سوء.


                         
 معناه في حق الله تعالى
السبوح : 
           جماع معناه
بعده تبارك وتعالى عن أن يكون له مثل أو شريك أو ضد أو ند . فهو سبحانه الموصوف بأوصاف الكمال ،
فالتنزبه هو خلاصة التوحيد للحق وهو تنزيه الله في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
فالسبوح : هو المنزه عن النقائص والعيوب والشريك وكل ما لا يليق بالآلهه.
و السبوح هو الذي يسبحه وينزهه كل من في السموات والأرض. 
قال تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [سورة اﻹسراء : 44]
اسبح الله :  أبرئه من السوء


ومعنى تنزيه الله من السوء تبعيده منه،
سبحان الله : تنزيه الله من كل عيبهذا يقتضى وصفه بالكمال وإثباته له.
وسبح الله: عظمه ومجده ونزهه.
فتسبيح الله : هو تبرئته من كل سوء    وهذا يقتضي إثبات الكمال له.
فتسبيح الله يقتضيتكبيره، وتحميده، وتعظيمه ،
قال ابن رجب:
سبح بحمد ربك : سبحه بما حمد به نفسه.


 الفرق بين السبوح والقدوس :  
وإن كان كل من اسمه سبحانه ( السبوح والقدوس) يدل على تنزيه الرب تبارك وتعالى وتبعيده عن السوء على وجه التعظيم  إلا أن البعض فرق بينهما  :
فمن قال أن التسبيح إثبات لكمال لله تعالى والتقديس نفي النقص عنه سبحانه وكل واحد يتضمن الآخر ،( وهذا إختيار الشيخ محمود عبد الرازق الرضواني).
وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى :
القدوس : المعظم المنزه عن صفات النقص كلها، المنزه عن جميع العيوب،  وعن أن يماثله أحد من الخلق أو يقاربه في شيء من الكمال. واستدل بالآبات:
(ِ
ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [سورة الشورى : 11]
(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [سورة مريم : 65]
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [سورة اﻹخلاص : 4]

وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى:
)
والأمر بتسبيحه يقتضي تنزيهه عن كل عيب وسوء ، وإثبات صفات الكمال له ، فإن التسبيح يقتضي التنزيه والتعظيم(.
أما التقديس : بمعنى التطهير لله تعالى في كل وصف اختص به مع التنزيه البليغ عما يوجب نقصانا.
وقال الحليمي:( التقديس مضمن في صريح التسبيح ، والتسبيح مضمن في صريح التقديس لأن نفي المذام إثبات للمدائح .(


دلائل الاقتران مع الأسماء اﻷخرى

افترن اسم السبوح بالقدوس قي السنة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده : ( سبوح قدوس رب الملائكة  والروح ) رواه مسلم
يقول الشيخ فوزي السعيد:
كل وصف حسن تتصف به الملائكة فخالقهم أحق به وأولى وأعظم من ذلك. 
فالملائكة خلقوا من نور فهم مطهرون كرام بررة.
وهم مطهرون لا يأكلون ولا يشربون ولايتنخمون ولا يتمخطون ولا يبولون ولا يتغوطون مطهرون عن ذلك كله،
مطهرون عن الإثم والمعصية، وكل أعمالهم طاعة وعبادة وتسبيح وتقديس لربهم ، 
فإن كان الملائكة على هذا النحو الذي ذكر مع كثرة عددهم الذي وردت به الأحاديث فسبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح. 

وخص جبريل عليه السلام بالذكر مع أنه من الملائكة لمكانته عند الله وعند الملائكة ولعظم خلقه.
ف( سبوح  قدوس رب الملائكة والروح ) يقينا أن القدوس هو الله وحده.



 اقتران اسمه سبحانه ( القدوس ) باسمه سبحانه ( الملك(


اقترن اسم ( القدوس بالملك ) في القرآن والسنة. 
في القرآن :
(
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [سورة الحشر : 23]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [سورة الجمعة : 1]
وفي السنة :
في قوله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الوتر : ( سبحان الملك القدوس ) "ثلاثا"
♻♻يقول ابن عاشور في التحرير والتنوير:
ولعل السر في هذا الاقتران -والله أعلم -  أن وصف الله عزوجل لنفسه بأنه (الملك) وأن من صفات هذا الملك أنه قدوس  إشارة إلى أنه سبحانه مع كونه ملكا مدبرا متصرفا في كل شيء ، فهو قدوس منزه عما يعترى الملوك من النقائص التي أشهرها الاستبداد والظلم والاسترسال مع الهوى والشهوات والمحاباة.


 اﻵثار اﻹيمانية والعملية لمعرفتك بهذين اﻻسمين الجليلين

كثرة ذكره و تسبيحه وتحميده آناء الليل وأطراف النهار والشعور بالأنس والروح باﻹنضمام إلى بقية العوالم في هذا الكون العظيم التي تسبح الله عزوجل وتسجد له.
قال سبحانه:
. (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [سورة اﻹسراء : 44]

 وصف الله تعالى بكل كمال وتنزيهه عن كل نقص : فلا نؤمن باسم من أسماء الله إلا وننفي عن الله ضده فنؤمن أنه العزيز وننفي عنه الذل ، وأنه العليم وننفي عنه الجهل ، وأنه الكريم وننفي عنه البخل ، وأنه الحكيم وننفي عنه كل ما ينافي الحكمة في أقداره وشرعه وأمره ، فلا اعتراض على قضاء قدره ولا شرع شرع شرعه ولا أمر أمر به ونهي نهى عنه ،لأنه القدوس المنزه عن كل سوء وعيب ونقص ، فقضاءه كله خير ولحكمة علمناها أم لم نعلمنها وندركها وكذلك شرعه وأمره ونهيه ، وهكذا في كل صفة من صفاته سبحانه وتعالى. 


⬛ تجنب الألفاظ التي تنافي تنزيه الله وتقديسه، ومن الألفاظ التي تنافي تقديس الله تعالى ويقع فيها كثير من الناس:
🔗 يارب ليه الظلم ليه : فالله لا يظلم عباده مثقال ذرة
🔗
يدي الحلق للي بلا ودان (آذان) : وهذا معناه أن الله أعطى شيئا لمن لا يستحقه ، 
وأفعال الله كلها منزهة عن العبث أو الخطأ
🔗
فلان ربنا افتكره :والله لا ينسى أبدا (وما كان ربك نسيا )
🔗
عبث الأقدار ، لعبة الأقدار ، سخرية القدر : فكلها ألفاظ لا تليق بالله جل وعلا ، فهو سبحانه منزه عن العبث واللعب والسخرية .


فمعرفتك باسمه السبوح، القدوس تقتضي تنزيه الله في أقواله وأفعاله وأسمائه وصفاته عن كل نقص وعيب والتعبد له سبحانه بذلك وذلك:
بإثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من اﻷسماء الحسنى و الصفات العلا، وتنزيهه سبحانه وتعالى عن مشابهة أحد من خلقه في ذلك.
وليس من تنزيه الله تعالى وتقديسه أن تنفي عنه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات والأفعال .
كما أنه ليس من التنزيه أن تشبهه سبحانه وتعالى بأحد من خلقه.
سبحانه وتعالى( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى 11
تنزيه الله عزوجل عن الشريك والند والصاحبة والولد فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
و من تقديس الله تعالى التحاكم إلى شرعه والحكم به والرضى به والتسليم له، فمن رفض التحاكم إلى شرع الله عزوجل، أو رأى المصلحة في غيره فإنه لم يقدس الله عزوجل ولم ينزهه عن النقص، لذا نزه الله سبحانه نفسه عن شرك من أطاع المخلوقين في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله،
قال تعالى :
(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [سورة التوبة : 31]
البعد عن سوء الظن برب العالمين لأن ظن السوء بالله تعالى يقدح في تنزيهه سبحانه الذي هو موجب اسمه القدوس السبوح ،
فكل ظن لا يليق بحمده وحكمته ورحمته وعلمه فهو سوء ظن بالله تعالى وبالتالى فهو قدح في موجب اسمه القدوس. 
قال تعالى :
( يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ ِ) [سورة آل عمران : 154]
(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ ) [سورة الفتح : 6]
و لابن القيم تعليق على آية الفتح يستعرض فيه بعض صور سوء الظن بالله
 ليس من تقديس الله سوء الظن به سبحانه وتعالى. 

بعض صور سوء الظن بالله المنافية لتنزيهه من كلام ابن القيم في زاد المعاد تعليقا على قوله تعالى :
يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ  ِ) [سورة آل عمران : 154]
)الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ ) [سورة الفتح : 6]

يقول :(وإنما هذا ظن السوء وظن الجاهلية المنسوب لأهل الجهل، وظن غير الحق لأنه ظن غير ما يليق بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وذاته المبرأة من كل عيب وسوء ، وخلاف ما يليق بحكمته وحمده ، وتفرده بالربوبية والإلهية وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه ...)
وقال : ( وكذلك من أنكر أن يكون قدر ما قدره من ذلك وغيره لحكمة بالغة ، وغاية محمودة يستحق الحمد عليها - وإنما ذلك صدر عن مشيئة مجردة وعن حكمة وغاية مطلوبة هي أحب إليه من فواتها، وإن تلك الأسباب المكروهه المفضية إليها لا يخرج تقديرها عن الحكمة لإفضائها إلى ما يحب وإن كانت مكروهه له ، فما قدرها سدى ، ولا أنشأها عبثاً ، ولا خلقها باطلا:
( ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [سورة ص : 27]
وقال :
( وأكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم ، ولا سلم من ذلك إلا من عرف الله، وعرف أسماءه وصفاته ، وعرف موجب حمده وحكمته، فمن قنط من رحمته، وأيس من روحه ، فقد ظن به ظن السوء.. )
وقال : ( ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ، ويسوي بينهم وبين أعدائه ، فقد ظن به ظن السوء )
وقال:(ومن ظن به أن يكون في ملكه مالا يشاء ولا يقدر على إيجاده وتكوينه ، فقد ظن به ظن السوء )
وقال :( أنه ليس في سماواته على عرشه بائنا من خلقه ، ....فقد ظن السوء)
وقال : ( وبالجملة ، فمن ظن به خلاف ما وصف به نفسه ووصفه به رسله، أو عطل حقائق ما وصف به نفسه ، ووصفته به رسله، فقد ظن به ظن السوء )
وقال : ( ومن ظن به أنه إذا ترك شيئاً لم يعوضه خيرا منه ، أو من فعل لأجله شيئا لم يعطه أفضل منه ، فقد ظن به ظن السوء (
وقال :( ومن ظن أنه يغضب على عبده ، ويعاقبه ويحرمه بغير جرم ولا سبب من العبد إلا بمجرد المشينة،  ومحض الإرادة، فقد ظن به ظن السوء(
وقال :( ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة ، وتضرع إليه ، وسأله واستعان به ، وتوكل عليه أن يخيبه ولا يعطيه ما سأله، فقد ظن به ظن السوء، وظن به خلاف ما هو أهله (
وقال:(وأكثر الخلق بل كلهم - إلا من شاء الله- يظنون بالله غير الحق ظن السوء، 
🌱
فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ، ناقص الحظ ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله ، ولسان حاله يقول ظلمني ربي ، ومنعني ما أستحقه،  ونفسه تشهد عليه بذلك ولسان حاله ينكره ، ولا يتجاسر على التصريح به ،
🌱
ومن فتش نفسه ، وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها ، رأى ذلك فيها كامنا كمون النار في الزناد،
🌱
ولو فتشت من فتشت ، لرأيت عنده تعتبا على القدر وملامة له ، واقتراحا عليه خلاف ما جرى به،وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر ،
🌱وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك:
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة
والا فإني
 لا إخالك ناجيا
فاليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع
🌱وليتب إلى الله تعالى وليستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء ، وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء،  ومنبع كل شر، المركبة على الجهل والظلم ، فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين ، وأعدل العادلين،  وأرحم الراحمين. )



2 comments: